۵ آذر ۱۴۰۳ |۲۳ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 25, 2024
رمز الخبر: 358205
٢٥ أبريل ٢٠١٩ - ١٧:٥٣
السيدة نرجس (ع)

وكالة الحوزة - إنها الروح التي تكللت بشذى بيت النبوة واستنشقت عبق الإمامة، صاغها الله من نورهم فخفق قلبها بحبهم وسارت على خطاهم بوجهها المضيء وأنفاسها المطمئنة، حيث شاءت إرادته (جل وعلا) أن تنتقل إلى أشرف وأطهر بيت في الوجود بيت العترة الطاهرة، فتغذّت من عقيدته وسُقيت من نوره، واقتبست من وحيه، وتوهجّت أنفاسهما بالعقيدة والإيمان كما تتوهّج الأزهار بقطرات الندى، فكانت منه وإن جاءت من أرض غير أرضه.

وكالة أنباء الحوزة - هكذا اقتضت الحكمة الإلهية أن تنتقل هذه الفتاة الطاهرة إلى هذه البيت الطاهر لتقتبس من هديه وتنهل من منبعه وتستضيء به بنور الله.. نعم إنها مشيئة الله أن تخوض هذه الأميرة الرحلة البعيدة الشاقة لتتشرف بهذا الشرف، لقد تحققت النبوءة التي غرست في روحها الهدى فتبعتها بقلبها قبل قدميها يحثها إيمانها بالله .. فتحسّ بانتمائها إليه وتتوق له، وتسترجع صداه في نفسها وقلبهِا وروحهِا ووجدانها وقد كللها بالخلود...

مليكة أو نرجس

وُلدت السيدة نرجس في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية وذلك قبل عام (240هـ) ــ أي نهاية القرن التاسع الميلادي ــ وكان اسمها قبل أن تأتي إلى بلاد الإسلام (مليكة) وهي بنت يشوعا حفيدة قيصر ملك الروم ويرجع نسبها من أمها إلى شمعون وصي عيسى ومن حواريه.

ومن أسمائها نرجس الذي عرفت به، وريحانة، وسوسن، وصقيل، ومريم، وخمس، وحكيمة، وسبيكة، وكان السبب في تعدد هذه الأسماء هو الأوضاع السياسية والضغوط السلطوية التي مارسها العباسيون ضد أهل البيت (ع).

فتسمَّت بأكثر من اسم لكي تموّه على السلطة معرفتها لأنها ستلد الإمام الثاني عشر (ع)، فلما أسرِت سمَّت نفسها نرجس، ولما حملت بولدها سُمِّيت صقيل، وحين ولدت وليدها كُنيت به أمّ محمد، لكن اسم نرجس كان أشهر الأسماء لها والذي عرفت به.

والظاهر إنه اسمها الحقيقي هو نرجس كما سماها به المسعودي (1) كما ورد هذا الاسم في الروايات المعتبرة عن السيدة حكيمة بنت الإمام محمد الجواد (ع) حول ولادة الإمام القائم المنتظر (ع) وكما أوردها المجلسي (2)

وليس ببعيد أنها تسمّت بكل هذه الأسماء بسبب الظروف العصيبة التي عاشتها في بيت الإمام وتعرضّها للمخاطر من قبل السلطة العباسية للتمويه كما ذكرنا، فهي منذ أن أسِرَت أصبح اسمها نرجس ولم تذكر اسم مليكة لأحد، أما الأسماء الأخرى مثل سوسن وريحانة فهي من الأسماء المشاعة للجواري في ذلك الوقت يسمونها بها دلالة على الحفاوة بها وحظوتها عند أسيادها، وهذه الأسماء لها دلالتها على مدى تكريم بيت الإمام الهادي (ع) لنرجس فهي من أسماء الزهور ومن الأسماء المحببة إلى النفس.

كما تدلّ هذه الأسماء المتعددة إلى حالة المراقبة الشديدة من قبل العباسيين لبيت الإمام، فاستعملت هذه الأسماء لكي يظن من يسمع بها بأن في البيت إماء عديدة ولا يخطر على باله إنما هي لجارية واحدة.

الرؤيا

عندما بلغت السيدة نرجس الثالثة عشر من عمرها رأت في منامها المسيح (ع) ومعه شمعون ومجموعة من الحواريين إذ دخل عليهم رجلٌ على وجهه سيماء الأنبياء ووجهه مفعم بالنور وهو يتقدّم نحو المسيح وخلفه كان يمشي اثنا عشر رجلاً كأنهم الأقمار وقد أحاطت بالشمس !!

عرفت نرجس بما سمعت من أخبار عن الإسلام إن الرجل كان خاتم الأنبياء محمد (ص) ومعه أهل بيته، فقام إليهم المسيح واستقبلهم وعانقهم وكذلك الحواريون، فقال النبي محمد للمسيح: يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى الإمام الحسن العسكري (ع).

فالتفت عيسى إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف العظيم، فصِل رحمك برحم رسول الله (ص). فتبسّم شمعون ووافق على الفور فلما سمع النبي محمد موافقة شمعون صعد المنبر وزوّج مليكة للإمام (ع) وشهد على هذا الزواج المسيح وآل محمد والحواريون.

استيقظت مليكة وقلبها يخفق بشدّة لهذه الرؤيا وقررت كتمانها عن الجميع وأن تبقى سراً في صدرها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا

إسلامها

بعد أربع ليالٍ من تلك الليلة التي رأت فيها النبي وهو يخطبها من شمعون لولده الإمام الحسن العسكري كانت مليكة على موعد مع رؤيا أخرى حيث تشرّفت برؤية سيدة نساء العالمين الصديقة فاطمة الزهراء ومعها السيدة مريم بنت عمران (ع) ومعهما ألف وصيفة من وصائف الجنان فبشرتها فعرضت (ع) على نرجس الإسلام فأسلمت فورا ثم بشرتها بلقاء الإمام الحسن العسكري (ع).

كانت هذه الرؤية والتي قبلها تمهيداً للقاء مليكة بالإمام لتنفيذ إرادة الله بولادة بقيته في أرضه، ففي الليلة التالية رأت في منامها الإمام الحسن العسكري (ع) فأخبرها عن كيفية قدومها إليه فقال لها:

إنّ جدّك سيرسل جيوشاً إلى قتال المسلمين، ثم يتبعهم هو، فعليك اللحاق بهم متنكّرة في زِيِّ الخدم مع عدّة من الوصائف لتقعي في الأسر.

وعيَّن (ع) لها الزمان الذي تخرج فيه والطريق الذي تسلكه ففعلت ما طلب منها الإمام ووقعت في أسر جيش المسلمين ولما سألها الرجل الذي كانت حصته من الغنائم عن اسمها قالت له: نرجس...

بشر النخاس

كان بشر بن سليمان النخّاس من الذين أنعم الله عليهم بحب أهل البيت وموالاتهم وكان يسكن قرب دار الإمام الهادي (ع) في سامراء ــ وهو من أحفاد الصحابي الجليل أبي أيّوب الأنصاري رضوان الله عليه ــ وقد دان لهم بالولاء معترفاً بفضلهم عليه، ومن قوله في ذلك:

كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري (ع) فقّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كمُلت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام..

وذات ليلة أرسل الإمام الهادي في طلبه وقال له

يا بشر: إنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأن الشيعة في الموالاة بها: بسرّ اُطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمَة. ثم كتب (ع) كتاباً بخط رومي ولغة رومية وختمه بختمه الشريف وأخرج كيساً فيه مبلغ مئتين وعشرون ديناراً وطلب منه شراء الجارية بهذا المبلغ ووصف له هيأتها وشأنها ففعل بشر ما أمره الإمام فاشتراها وجاء بها إلى داره (ع).

استبشر الإمام الهادي بنرجس وتحقق له الوعد الإلهي بقدوم هذه الجارية الطاهرة التي ستلد خير أهل الأرض، ثم بشرها بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ثم استدعى أخته السيدة حكيمة وقال لها: يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة الحسن (ع) واُمّ القائم (ع).

منزلتها الشريفة

حظيت السيدة نرجس (ع) بمنزلة سامية ومرتبة عالية عند الله عز وجل، وأهل البيت وقد ورد في زيارتها صفات ونعوت تجعلها في مقام الصديقات فوردت كلمات سامية مثل: صديقة وطاهرة، وتقية ونقية، ورضية ومرضية، ووالدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلاّم، والحاملة لأشرف الأنام ....

ووردت أيضا هذه الفقرات: أشهد أنّك أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وصبرت في ذات الله، وحفظت سرّ الله، وحملت وليّ الله وبالغت في حفظ حجّة الله، ورغبت في وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقّهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم .....

كما ورد أيضا في زيارتها نعتها في الإنجيل وخطبتها من سيد الأنبياء والمرسلين كما جاء في هذه الفقرات: السلام عليك أيّتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمّد سيّد المرسلين، والمستودعة أسرار ربّ العالمين... السلام عليك وعلى آبائك الحواريين....

كما وردت فقرات أخرى دلت على منزلتها العظيمة عند الله وشفاعتها لمن توسل بها عنده، وما أحلها الله به من الشرف والجلالة في الدنيا والآخرة:

وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدية بالصالحين، راضية مرضية، تقية نقية، زكية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، فلقد أولاك من الخيرات ما أولاك، وأعطاك من الشرف ما به أغناك، فهنّاك الله بما منحك من الكرامة وأمراك.

محمد طاهر الصفار

 ..........

1 ــ إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب ص 258

2 ــ بحار الأنوار ج 51  ص 2  

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha